تمرد عبد الرحمن بن الأشعث..*14*..

الحجاج (14)
تمرد عبد الرحمن بن الأشعث :

ما قبل التمرد

هذه واحدة من الثورات العديدة التي قام بها أهل العراق ضد الدولة الأموية، ولم يكن نشوبها على أساس مذهبي كما هو الحال بالنسبة لثورات الخوارج والشيعة، بل دفع إليها الكراهية المتبادلة بين قائدها وبين والي العراق (الحجاج بن يوسف) وقائد هذه الثورة هو (عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي) ، وقد بدأت هذه الثورة العارمة من إقليم سجستان، ذلك الإقليم الذي أتعب الأمويين وكان كثير الانتقاض والتمرد عليهم ، فلما كانت ولاية (الحجاج) على العراق ٧٥هـ ـ ٩٥هـ صبر على مضض على تجاوزات (رتبيل) ملك سجستان ضد الدولة واستغلاله الظروف الصعبة التي كانت تمر بها، ومنعه الجزية، فلما انتهت مشاكل العراق الخطيرة، وكسرت شوكة الخوارج سنة ٧٨هـ قرر أن يؤدب (رتبيل) ، فأرسل (الحجاج) إليه جيشا بقيادة (عبيد الله بن أبي بكرة) سنة ٧٩هـ، وأمره (الحجاج) أن يتوغل في بلاد (رتبيل) وأن يدك حصونهم وقلاعهم، ففعل ما أمر به (الحجاج)، وتمكن من هزيمة (رتبيل) واجتياح بلاده وغنم غنائم كثيرة ولكن (رتبيل) أخذ في التقهقر فأطمع المسلمين في اللحاق به حتى وصلوا قريبا من مدينته العظمى، عند ذاك بدأ الترك يغلقون على المسلمين الطرق والشعاب وحصروهم وقتل عامة جيش المسلمين .

إعداد وإرسال جيش الطواويس :

أراد (الحجاج) تأديب (رتبيل) وعقابه، فاستأذن (عبد الملك بن مروان) في أن يبعث جيشا كبيرا بلغ عدده أربعين ألف مقاتل من أهل الكوفة وأهل البصرة وأنفق عليه ألفي ألف (مليونين) سوى أعطيات المقاتلين وبالغ في تجهيزه بالخيول الروائع والسلاح الكامل ، وبلغ من فخامة الجيش أن سماه الناس《جيش الطواويس》، وأسند (الحجاج) قيادة هذا الجيش الكبير إلى (عبد الرحمن بن الأشعث) ، وهو يعلم موقفه السيئ منه وبغضه له ، وكان (إسماعيل بن الأشعث) عم (عبد الرحمن بن الأشعث) قد نبه (الحجاج) إلى هذا الخطأ الفادح، حيث قال له : لا تبعثه فإني أخاف خلافه، والله ما جاز جسر الفرات قط فرأى لوالى من الولاة عليه طاعة وسلطان ، ولكن يبدو أن (الحجاج) قد خانه ذكاؤه هذه المرة، أو كان مفرطا في ثقته بنفسه، فلم يسمع نصيحة (إسماعيل) ورد مستخفا (بعبد الرحمن)، فقال: هو لي أهيب وفيما لدى أرغب من أن يخالف أمري، أو يخرج عن طاعتي .

ومضى (ابن الأشعث) بهذا الجيش العظيم إلى سجستان لتأديب (رتبيل)، وكان ذلك في سنة ٨٠هـ، فلما بلغ (رتبيل) الأخبار، كتب إلى (ابن الأشعث) يعتذر إليه مما حل بالمسلمين في بلاده ويطلب منه الصلح ولكن (ابن الأشعث) لم يقبل ، وأخذ يتوغل في بلاده، وهنا حاول (رتبيل) أن يكرر مع (ابن الأشعث) ما صنعه مع (عبيد الله بن أبي بكرة)، فأخذ يخلي البلاد والحصون أمامه ليوقعه في شرك، ولكن (ابن الأشعث) فطن إلى ذلك، وكان كما يقول (الطبري) : لكلما حوى بلدا بعث إليه عاملا وبعث معه أعوانا، ووضع البرد (البريد حتى تكون البلاد فى تواصل مع بعضها البعض) فيما بين كل بلد وبلد، وجعل الارصاد على العقاب والشعاب ووضع المسالح بكل مكان مخوف، حتى إذا جاز من أرضه أرضا عظيمة، وملأ يديه من البقر والغنم والغنائم العظيمة، وحبس الناس عن الدخول في أرض (رتبيل)، وقال: نكتفي بما أصبناه هذا العام في بلادهم، حتى نجبيها ونعرفها ويجترئ المسلمون على طرقها، ثم نتعاطى في العام المقبل ما وراءها، ثم لم نزل ننتقصهم في كل طائفة من أرضهم حتى نقاتلهم آخر ذلك على كنوزهم وذراريهم، وفي أقصى بلادهم وممتنع حصونهم، ثم لا نزايل بلادهم حتى يهلكهم الله .

وهذه خطة سديدة وعملية وتدل على ذكاء وحنكة وتجربة (ابن الأشعث) وقد كتب إلى (الحجاج) بما حققه من فتوحات وبخطته التي اعتزم تنفيذها ، ولكن (الحجاج) ـ ودون أن يستشير أحد من أهل الحرب ـ رفض هذا الرأي واستهجنه وكتب إلى (ابن الأشعث) ثلاثة كتب على التوالي سفه فيها رأي (ابن الأشعث) وهدده فيها بالعزل إن لم يفعل ما يأمره به ورماه فيها ببعض الأوصاف المقذعة .

يتبع ............

المصادر :
- الدولة الأموية ... الصلابى
- العراق في العصر الأموي ... ثابت الرواي
- سير أعلام النبلاء ... الذهبى
- العالم الإسلامي في العصر الأموي .
- تاريخ الطبري.