ثورة عبد الله بن الجارود ومقتله..*12*..

الحجاج (12)
ثورة عبد الله بن الجارود ومقتله

حدثت حركة تمرد في صفوف الجيش، بقيادة (عبد الله بن الجارود) بعد أن أعلن (الحجاج) عزمه على إنقاص زيادات فى الأعطيات الخاصة بالمحاربين من أهل العراق ، بحجة أن من أقر هذه الزيادة كان (عبد الله بن الزبير) وأنه أى (الحجاج) لن يعترف بها ، فقال (ابن الجارود) بل من أقرها هو أمير المؤمنين (عبد الملك) ولذلك أنت ملزم بها.

ونحن نعلم أن أهل العراق كانوا ناقمون على (الحجاج) شدته وعنفه ، وما كانوا ليتركوا أمرا يثير الجدل بينهما إلا التمسوه ، وموضوع أعطيات الجنود فرصة عظيمة لهم للخروج على (الحجاج) فى أمر يبدوا بعض الحق فى جانب الثائرين له ، وقد أرجأ (الحجاج) هذا الأمر شهرا إلى أن يتدبر الموقف .

وفى خلال هذه المدة كان (ابن الجارود) يجمع إليه الأنصار والأعوان من معتنقى رأيه ، الراغبين فى الخروج على (الحجاج) ، فاجتمع القوم من أشراف أهل البصرة وصوبوا رأيه وقوله ، وقالوا : " إن هذا الرجل غير كاف حتى ينقصنا هذه الزيادة ، فهلم نبايعك على إخراجه من العراق ، ثم نكتب إلى (عبد الملك) أن يولى علينا غيره ، فإن أبى خلعناه".
فوافق الحاضرون وبايعوا (ابن الجارود) وأخذوا المواثيق والعهود بعضهم على بعض بالوفاء ، وقد سر أهل البصرة بتلك الحركة ، وتوسموا فى (ابن الجارود) القائد الكفء والشخصية العظيمة.

علم (الحجاج) بتلك المؤامرة الواسعة النطاق ، فأحرز بيت المال واحتاط فيه حتى يستعين به ولا يكون عونا لهم فى حركتهم هذه ، وبدأ زحفهم نحو (الحجاج) ، و(الحجاج) ليس معه إلا خاصته وأهل بيته ، حتو وصلوا إلى فسطاطه فنهبوا ما قدروا عليه من متاع ودواب ، واختطفوا إثنين من زوجات (الحجاج) ، ولكن يبدوا أن الناس كانوا خائفين من (الحجاج) وهائبين منه وكانوا يريدون فقط أن يخرجوه من العراق دون حرب فيها خروج على الخليفة.

ومما يدل على ذلك أنه أتاه قوم من البصرة فصاروا معه (والحجاج وقتها لم يكن معه الا أهله وخاصته) فلما كثر إقبال الناس على (الحجاج) خائفين من الخروج على الخليفة بالحرب فى صف (ابن الجارود) ، فقال (الغضبان بن القبعثرى) ل(ابن الجارود) : "تعشى بالجدى قبل أن يتغدى بك ، أما ترى من قد أتاه منكم ولئن أصبح ليكثرن ناصره"
فقال (ابن الجارود) : "قد قرب المساء ، ولكنا نعاجله بالغداه).

ونذهب إلى معسكر (الحجاج) فنرى الحجاج يستثير بعض زعماء البصرة لنجدته ، وأرسل إليهم ، فقالوا له إن أتيتنا منعناك (حميناك) ، فقال (الحجاج) بنفسه العالية : "لا ولا كرامة"
وهكذا لم يجبه أحد ، فشعر الحجاج باليأس يدب فى قلبه ولكن صادفه ظرف لم يكن فى الحسبان .... ذلك بينما كان (ابن الجارود) وزعماء حركته يتكلمون فى رسم الخطط ، مر بهم (عباد بن الحصين الحبطى) فقال لهم "أشركونا فى نجواكم" فقالوا : "هيهات أن يدخل فى نجوانا أحدا من بنى الحبط" فغضب وسار إلى (الحجاج) فى مائة رجل فاطمئن (الحجاج) وقال : "ما أبالى من تخلف بعدك" ، ثم جاء إلى (الحجاج) (قتيبة بن مسلم) فى جماعة قائلا : "والله لا ندع قيسيا يقتل وينهب ماله" ثم توالت عليه الكثير من الوفادات.

ولم يأت الصباح حتى كان جمع (الحجاج) نحو الستة آلاف ، وقد أرعب ذلك (ابن الجارود) واستشار فى ذلك (عبد الله بن ظبيان) فقال له (ابن ظبيان) الرأى أنت تركته بالأمس حين قال لك (الغضبان) : "تعشى بالجدى قبل أن يتغدى بك" وقد ذهب الرأى وبقى الصبر.

وتقابل الفريقان ودارت رحى المعركة ، وكانت الغلبة فى بدايتها ل(إبن الجارود) وانتهت بفوز (الحجاج) بعد مقتل (ابن الجارود) ، وكان من حسن سياسته عدم إتباع المنهزمين من عامة الناس وقال : "الإتباع من سوء الغلبة" .

أما زعماء الحركة فقتلهم ولم تأخذه فيهم رحمة ولم تنفع فيهم لديه شفاعة ، لأنهم خرجوا عليه فى أصعب الأوقات حيث كان مشغول بحرب الخوارج .

يتبع .............

المصدر :
- الحجاج المفترى عليه
معركة_الوعى
فرسان_التاريخ
لنا_عودة