الحجاج (17)
موقف الحجاج مع سعيد_بن_جبير (رحمه الله) :وقد أثار مقتل (سعيد بن جبير) ثائرة الناس واستفظعوا قتله ، وعدوه من المساوئ التى لا تغتفر (للحجاج) ، وما زال هذا إعتقاد العالم الإسلامى إلى اليوم.
كان (ابن جبير) فى مكة وقت أن قدمها (الحجاج) وبعد أن قتل (عبد الله بن الزبير) أخذ منه البيعة (لعبد الملك بن مروان) ، ثم لما قدم (الحجاج) العراق أخذ منه البيعة ثانية (لعبد الملك) وولاه إمامة الصلاة ثم ولاه القضاء ، ولكن أهل الكوفة ضجوا وقالوا لا يصلح للقضاء إلا عربى فعين مكانه (الحجاج) (أبا بردة بن أبى موسى الأشعرى) وأمره ألا يبرم أمرا إلا بمشورة (سعيد بن جبير) ثم أعطى (سعيد) مائة ألف درهم ففرقها لذوى الحاجات.
وما زال (الحجاج) يعرف (لسعيد بن جبير) حقه بالرغم أنه من الموالى ، ولما خرج (ابن الأشعث) فى الحملة الموجهه إلى (رتبيل) ملك الترك ، جعله (الحجاج) على نفقات الجند.
فلما خلع (ابن الأشعث) طاعة (الحجاج) كان (سعيد بن جبير) مع الذين خرجوا معه وخلعوا طاعة (الحجاج) ، ويروى صاحب كتاب الإمامة والسياسة أن (إبن الأشعث) أكره (ابن جبير) على خلع طاعة الحجاج.
وعندما هزم (ابن الأشعث) فى موقعة دير الجماجم ، وقتل فيها من قتل وهرب من هرب ، فكان (ابن جبير) ممن فر واختفى عن أعين (الحجاج) عشر سنوات، فتوجه إلى أصبهان ، فكتب (الحجاج) إلى عاملها بالقبض عليه ، فلم يرق ذلك فى نظر العامل ، فأرسل إلى (سعيد) يعرفه ويطلب منه أن يخرج من البلاد فى السر ، فخرج إلى أذربيجان وطال قيامه فيها حتى اغتم ، ثم ذهب إلى مكة مستخفيا ، ولكن قدر الله لابد نافذ، فعندما تولى (خالد بن عبد الله القسري) ولاية مكة من قبل (الحجاج)، وكان سيئ السيرة، فخاف أصحاب (سعيد) على (سعيد)، فألحوا عليه بالفرار والخروج من مكة، ولكن (سعيدا) أبى الخروج، وقال لأصحابه: والله لقد استحييت من الله ، مما أفر، ولا مفر من قدر الله.
وكان والي المدينة من قبل (الحجاج) (عثمان بن حيان) بدل (عمر بن عبد العزيز)، فجعل يبعث من بالمدينة من أصحاب (ابن الأشعث) من العراق إلى (الحجاج) في القيود، فتعلم منه (خالد بن عبد الله القسري)، فعين من عنده من مكة: (سعيد بن جبير)، و(عطاء بن أبي رباح)، و(مجاهد بن جبر)، و(عمرو بن دينار)، و(طلق بن حبيب)، فبعث (خالد) بهؤلاء إلى (الحجاج)، ثم عفا عن (عطاء)، و(عمرو بن دينار)؛ لأنهما من أهل مكة، وبعث بأولئك الثلاثة، فأما (طلق) فمات في الطريق قبل أن يصل، وأما (مجاهد) فحبس، فمازال في السجن حتى مات (الحجاج)، وأما (سعيد بن جبير) ذلك العابد القانت التقي الورع الطاهر، وصل مدينة واسط وهو مقيد في الأغلال، فأدخلوه على (الحجاج)، وهو ثابت القلب، هادئ النفس، رابط الجأش، قوي الحجة، فصيح اللسان، لم يتزعزع، ولم يهن، راسخ رسوخ الجبال، ودار بينهما حوار طويل يكشف عن عظمة الرجل، وحسن توكله على ربه، وقوة إيمانه، وصبره، ويقينه، رجل فريد لم تلن له قناة، ولم يفت في عضده تهديد أو وعيد، فأقبل على عدوه بما يسوؤه وهو في قبضته، والسيف مصلت على رقبته، فلم يعبأ به، وهو يعلم أنه مقتول لا محالة.
فلما أوقف بين يدي الحجاج قال له: يا سعيد ألم أشركك في أمانتي! ألم أستعملك؟ ألم أفعل ألم أفعل؟ كل ذلك يقول: نعم، حتى ظن من عنده أنه سيخلي سبيله، حتى قال له: فما حملك على الخروج علي وخلعت بيعة أمير المؤمنين؟ فقال سعيد: إن ابن الأشعث أخذ مني البيعة على ذلك وعزم علي، فغضب عند ذلك الحجاج غضبا شديدا وانتفخ حتى سقط طرف ردائه عن منكبه، وقال له:
ويحك ألم أقدم مكة فقتلت ابن الزبير وأخذت بيعة أهلها وأخذت بيعتك لأمير المؤمنين عبد الملك؟
قال: بلى، قال: ثم قدمت الكوفة واليا على العراق فجددت لأمير المؤمنين البيعة فأخذت بيعتك له ثانية؟ قال: بلى! قال فتنكث بيعتين لأمير المؤمنين وتفي بواحدة للحائك ابن الحائك؟ يا حرسي اضرب عنقه. قال: فضربت عنقه .
أما الرواية المشهورة لذلك والتى هى رواية منكرة رغم شهرتها
ولما أتي (الحجاج) (بسعيد بن جبير)، قال له : أنت الشقي ابن كسير؟ (يعكس معانى إسمه) قال: بل أنا (سعيد بن جبير)، قال: بل أنت الشقي ابن كسير، قال: كانت أمي أعرف باسمي منك، قال: ما تقول في (محمد)؟ قال: تعني النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: نعم، قال: سيد ولد آدم؛ النبي المصطفى خير من بقي، وخير من مضى، قال: فما تقول في (أبي بكر)؟ قال: الصديق؛ خليفة الله، مضى حميدا، وعاش سعيدا، مضى على منهاج نبيه - صلى الله عليه وسلم - لم يغير، ولم يبدل، قال: فما تقول في (عمر)؟ قال: عمر الفاروق خيرة الله وخيرة رسوله، مضى حميدا على منهاج صاحبيه، لم يغير، ولم يبدل، قال: ما تقول في (عثمان)؟ قال: المقتول ظلما، المجهز جيش العسرة، الحافر بئر رومة، المشتري بيته في الجنة، صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابنتيه، زوجه النبي - صلى الله عليه وسلم -